السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإمام والمأموم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.. أما بعد:
الإمامة منصب رفيع من مناصب الدين، وإذا أطلقت الإمامة فهي تنصرف إلى أحد معنيين:
الأول: الإمامة العظمى في الدين وهي قيادة الناس، والحكم فيهم بشرع الله -تعالى-، ويطلق عليها: القيادة، والإمارة، وغيرها.
الثاني: الإمامة الناس في صلاتهم. وهو المراد هنا، وسنعرض في هذه بعضاً من الآداب التي ينبغي لإمام الناس في الصلاة أن يتحلى بها، لينال شرف القيام بهذا العمل العظيم، وهذه الآداب منها ما هو واجب، ومنها المستحب، ومنها ما هو من باب الأولى، وكملة (الآداب) تشمل ذلك كله.
فمن تلك الآداب:
1. أن يكون الإمام حسن السلوك، مستقيماً على السنة، سليم المعتقد غير واقع في بدعة، فإن البدعة في الدين ضلالة، ومن وقع فيها وقع في الضلال، ولا ينبغي أن يؤم الناس ضال، أو فاسق متساهل بالمعاصي، إذ الإمامة فيها معنى القدوة، ولا قدوة في مبتدع أو فاسق فاسد الاعتقاد.
2. أن يكون فقيهاً بأحكام الصلاة وأحكام الإمامة. كما جاء في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة..)1 الحديث، على تفسير من فسر هذا الحديث بأن المقصود بالأقرأ هو الأفقه، كما هو في مذهب الإمام مالك بن أنس -رحمه الله-.2 ولأن الجاهل بأحكام الصلاة والإمامة قد يأتي بأمور منكرة أثناء الصلاة، فلا يحسن التصرف عندها، لاسيما عند السهو والخطأ أو نحو ذلك.
3. أن لا يؤم الناس وفيهم من هو خير منه، إلا أن يكون إماماً راتباً. فإن كان إماماً راتباً فهو الأولى بالإمامة إذا توفرت فيه شروط الإمامة، إلا أن يحضر ولي أمر المسلمين، فهو أولى بالإمامة من الراتب، ما لم يأذن له. والإمام الراتب أحق بالإمامة من غيره، ولو كان من وراءه أعلم منه وأفقه، فإن حضر قوم في مسجد من ولا إمام راتب استحب لهم تقديم الأكبر سناً والأكثر علماً وفهماً وإتقاناً للقرآن.
4. أن لا يؤم قوماً هم له كارهون. لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بين إثم ذلك، كما ثبت من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت و زوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون).3
وينبغي أن يعلم سبب كراهيتهم له، فإن كان سبب الكراهية له فسقه وظلمه وسوء خلقه، أو أنه واقع في مخالفة دينية، فتكره إمامته، بل قد تحرم حينئذ، أما إن كان الإمام ديِّناً مستقيماً على الشرع حسن الأخلاق، وكرهه أغلب المأمومين بسبب استقامته وتمسكه بالسنة، وعدم موافقته لهم على منكراتهم أو بدعهم فإن تلك الكراهة غير معتبرة، والله أعلم.
5. أن يكون حافظاً لكتاب الله، كثير القراءة له، عالماً بأحكامه، عاملاً به. ومرتبة حفظ القرآن مرتبة كمال في الإمامة؛ إذ أن الإمام الراتب تمر به صلوات مختلفة مثل صلاة الكسوف والخسوف، وصلاة التراويح، ونحوها من الصلوات التي تستدعي اليقظة وسرعة المبادرة للتلاوة من حفظه، مع ما في حفظ القرآن من اختيار الآيات التي تناسب الأحداث والعوارض التي تصادف الناس في حياتهم، فيتلو على الناس آيات الله -تعالى- بإتقان وحسن تلاوة، ولا يكون معتاد القراءة لآيات معينة يرددها في كل صلاة أو في كل يوم كونه لا يحفظ غيرها! فإن ذلك يبعث على السآمة والملل ونفور الناس من الصلاة خلفه، ومن هذا تظهر الحكمة النبوية من قوله -صلى الله عليه وسلم-: (يؤمُّ القوم أقرؤهم لكتاب الله..) على من فسر ذلك بكثرة القراءة وحسنها، وإجادة النطق، وإتقان التجويد، والعيش الدائم مع كتاب الله -تعالى-.
6. أن يكون مقصوده من الإمامة القيام بأمر من أمور الدين، لا ابتغاء عرض من الدنيا؛ لأن الإخلاص لله في كل عمل من واجبات الدين، ولا يقبل الله من أحد عملاً حتى يكون خالصاً صواباً، كما قال -تعالى-: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (سورة الكهف: 110) ، وقال -تعالى-: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ} (سورة الزمر: 11) ، وقال -عز وجل-: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (سورة البينة: 5). وغير ذلك من الآيات التي تأمر بإخلاص العبادة لله -عز وجل-. وكلما كان الإمام قريباً من الله مخلصاً في إمامته وتلاوته أثَّر في الناس أيما تأثير.
7. أن يكون حسن الصوت بالتلاوة، فإن ذلك أدعى لتأثير القرآن في قلوب المأمومين، ولهذا يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن).4 والتغني كما فسره غير واحد من أهل العلم هو تحسين الصوت بالقرآن.5
وقد كان عمر -رضي الله عنه- يقدم الشاب الحسن الصوت لحسن صوته بين يدي القوم.6
8. أن يستجيب لطلب الناس من حيث التيسير والتقصير في الصلاة، أو أي طلب لا يخالف الشرع، فقد جاء في الحديث عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- كان يصلي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة، فقرأ بهم البقرة، قال: فتجوز رجل فصلى صلاة خفيفة، فبلغ ذلك معاذاً، فقال إنه منافق، فبلغ ذلك الرجل، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إنا قوم نعمل بأيدينا ونسقي بنواضحنا، وإن معاذاً صلى بنا البارحة فقرأ البقرة، فتجوزت، فزعم أني منافق، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يا معاذ أفتان أنت -ثلاثاً- اقرأ {والشمس وضحاها}. و {سبح اسم ربك الأعلى} ونحوها).7
فهذه بعض الآداب التي ينبغي على الإمام مراعاتها حتى يقوم بهذا العمل الجليل حق القيام.
نسأل الله أن يوفق أئمة المسلمين لما فيه الخير والصلاح، وأن يصلح قلوبهم، ويجعل أعمالهم خالصة لوجهه الكريم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
1- رواه مسلم من حديث أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه-.
3- رواه الترمذي وغيره، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3057).
4- رواه البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
5- انظر مثلاً: (شرح صحيح مسلم للنووي 2/393).
6- فتح الباري لابن حجر العسقلاني (9/92).
الإمام والمأموم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.. أما بعد:
الإمامة منصب رفيع من مناصب الدين، وإذا أطلقت الإمامة فهي تنصرف إلى أحد معنيين:
الأول: الإمامة العظمى في الدين وهي قيادة الناس، والحكم فيهم بشرع الله -تعالى-، ويطلق عليها: القيادة، والإمارة، وغيرها.
الثاني: الإمامة الناس في صلاتهم. وهو المراد هنا، وسنعرض في هذه بعضاً من الآداب التي ينبغي لإمام الناس في الصلاة أن يتحلى بها، لينال شرف القيام بهذا العمل العظيم، وهذه الآداب منها ما هو واجب، ومنها المستحب، ومنها ما هو من باب الأولى، وكملة (الآداب) تشمل ذلك كله.
فمن تلك الآداب:
1. أن يكون الإمام حسن السلوك، مستقيماً على السنة، سليم المعتقد غير واقع في بدعة، فإن البدعة في الدين ضلالة، ومن وقع فيها وقع في الضلال، ولا ينبغي أن يؤم الناس ضال، أو فاسق متساهل بالمعاصي، إذ الإمامة فيها معنى القدوة، ولا قدوة في مبتدع أو فاسق فاسد الاعتقاد.
2. أن يكون فقيهاً بأحكام الصلاة وأحكام الإمامة. كما جاء في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة..)1 الحديث، على تفسير من فسر هذا الحديث بأن المقصود بالأقرأ هو الأفقه، كما هو في مذهب الإمام مالك بن أنس -رحمه الله-.2 ولأن الجاهل بأحكام الصلاة والإمامة قد يأتي بأمور منكرة أثناء الصلاة، فلا يحسن التصرف عندها، لاسيما عند السهو والخطأ أو نحو ذلك.
3. أن لا يؤم الناس وفيهم من هو خير منه، إلا أن يكون إماماً راتباً. فإن كان إماماً راتباً فهو الأولى بالإمامة إذا توفرت فيه شروط الإمامة، إلا أن يحضر ولي أمر المسلمين، فهو أولى بالإمامة من الراتب، ما لم يأذن له. والإمام الراتب أحق بالإمامة من غيره، ولو كان من وراءه أعلم منه وأفقه، فإن حضر قوم في مسجد من ولا إمام راتب استحب لهم تقديم الأكبر سناً والأكثر علماً وفهماً وإتقاناً للقرآن.
4. أن لا يؤم قوماً هم له كارهون. لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بين إثم ذلك، كما ثبت من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت و زوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون).3
وينبغي أن يعلم سبب كراهيتهم له، فإن كان سبب الكراهية له فسقه وظلمه وسوء خلقه، أو أنه واقع في مخالفة دينية، فتكره إمامته، بل قد تحرم حينئذ، أما إن كان الإمام ديِّناً مستقيماً على الشرع حسن الأخلاق، وكرهه أغلب المأمومين بسبب استقامته وتمسكه بالسنة، وعدم موافقته لهم على منكراتهم أو بدعهم فإن تلك الكراهة غير معتبرة، والله أعلم.
5. أن يكون حافظاً لكتاب الله، كثير القراءة له، عالماً بأحكامه، عاملاً به. ومرتبة حفظ القرآن مرتبة كمال في الإمامة؛ إذ أن الإمام الراتب تمر به صلوات مختلفة مثل صلاة الكسوف والخسوف، وصلاة التراويح، ونحوها من الصلوات التي تستدعي اليقظة وسرعة المبادرة للتلاوة من حفظه، مع ما في حفظ القرآن من اختيار الآيات التي تناسب الأحداث والعوارض التي تصادف الناس في حياتهم، فيتلو على الناس آيات الله -تعالى- بإتقان وحسن تلاوة، ولا يكون معتاد القراءة لآيات معينة يرددها في كل صلاة أو في كل يوم كونه لا يحفظ غيرها! فإن ذلك يبعث على السآمة والملل ونفور الناس من الصلاة خلفه، ومن هذا تظهر الحكمة النبوية من قوله -صلى الله عليه وسلم-: (يؤمُّ القوم أقرؤهم لكتاب الله..) على من فسر ذلك بكثرة القراءة وحسنها، وإجادة النطق، وإتقان التجويد، والعيش الدائم مع كتاب الله -تعالى-.
6. أن يكون مقصوده من الإمامة القيام بأمر من أمور الدين، لا ابتغاء عرض من الدنيا؛ لأن الإخلاص لله في كل عمل من واجبات الدين، ولا يقبل الله من أحد عملاً حتى يكون خالصاً صواباً، كما قال -تعالى-: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (سورة الكهف: 110) ، وقال -تعالى-: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ} (سورة الزمر: 11) ، وقال -عز وجل-: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (سورة البينة: 5). وغير ذلك من الآيات التي تأمر بإخلاص العبادة لله -عز وجل-. وكلما كان الإمام قريباً من الله مخلصاً في إمامته وتلاوته أثَّر في الناس أيما تأثير.
7. أن يكون حسن الصوت بالتلاوة، فإن ذلك أدعى لتأثير القرآن في قلوب المأمومين، ولهذا يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن).4 والتغني كما فسره غير واحد من أهل العلم هو تحسين الصوت بالقرآن.5
وقد كان عمر -رضي الله عنه- يقدم الشاب الحسن الصوت لحسن صوته بين يدي القوم.6
8. أن يستجيب لطلب الناس من حيث التيسير والتقصير في الصلاة، أو أي طلب لا يخالف الشرع، فقد جاء في الحديث عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- كان يصلي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة، فقرأ بهم البقرة، قال: فتجوز رجل فصلى صلاة خفيفة، فبلغ ذلك معاذاً، فقال إنه منافق، فبلغ ذلك الرجل، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إنا قوم نعمل بأيدينا ونسقي بنواضحنا، وإن معاذاً صلى بنا البارحة فقرأ البقرة، فتجوزت، فزعم أني منافق، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يا معاذ أفتان أنت -ثلاثاً- اقرأ {والشمس وضحاها}. و {سبح اسم ربك الأعلى} ونحوها).7
فهذه بعض الآداب التي ينبغي على الإمام مراعاتها حتى يقوم بهذا العمل الجليل حق القيام.
نسأل الله أن يوفق أئمة المسلمين لما فيه الخير والصلاح، وأن يصلح قلوبهم، ويجعل أعمالهم خالصة لوجهه الكريم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
المصدر / منتدي نهر الحب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه وسار على طريقته إلى يوم الدين.. أما بعد:
فإن صلاة الجماعة من أفضل الأعمال التي يتقرب بها الإنسان إلى ربه -تعالى-، وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- عظيم فضل صلاة الجماعة كما في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- مرفوعاً: "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة".1 وهدد -صلى الله عليه وسلم- الذين يتخلفون عنها، كما في قوله: "لينتهين أقواهم عن ودعهم الجماعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين".2 وقوله: "والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عَرْقاً سميناً أو مِرْماتين حسنتين3 لشهد العشاء" رواه البخاري عن أبي هريرة. وفي صحيح مسلم: "إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيها لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار".
فدلت هذه الأحاديث على فضل الجماعة، وعلى أن تركها والتهاون بها معصية لله، وكل ذلك يؤكد وجوبها مع جماعة المسلمين..
فهذا هو الأصل في صلاة الجماعة أنها تجب على الأعيان، ولا يجوز لأحد أن يتخلف عنها إلا من عذر كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر"4.. والأعذار التي يسقط بها وجوب الجماعة قد وضحتها سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.. فمنها:
1. المرض:
إذا مرض الإنسان مرضاً مقعداً لم يمكنه من أداء الجماعة في المسجد جاز له أن يصلي الفرض مكانه، لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما مرض كان يصلي في بيته كما ثبت عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها قالت: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيته وهو شاكٍ، فصلى جالساً، وصلى وراءه قوم قياماً فأشار إليهم أن اجلسوا، فلما انصرف قال: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً" رواه البخاري ومسلم.
فدل الحديث على أن المرض عذر يسقط وجوب الجماعة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى في بيته وهو شاكٍ أي: مريض، ثم أتى قوم يزورونه فصلوا خلفه، فكانت صلاتهم معه جماعة إنما هي في بيته وقد دخلوا معه أثناء الصلاة؛ بدليل أنه أشار إليهم بالجلوس وهو يصلي، ولو دخلوا معه من أولها لأمرهم بالجلوس وبين لهم الحكم قبل أن يفعلوه.
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "لم يخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاثاً، فأقيمت الصلاة فذهب أبو بكر يتقدم، فقال نبي الله -صلى الله عليه وسلم- بالحجاب فرفعه، فلما وضح وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- ما نظرنا منظراً كان أعجب إلينا من وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- حين وضح لنا، فأومأ النبي -صلى الله عليه وسلم- بيده إلى أبي بكر أن يتقدم، وأرخى النبي -صلى الله عليه وسلم- الحجاب فلم يُقدر عليه حتى مات".5
ويدخل في حكم المريض من يرافقه، فإذا خاف مرافق المريض وقوع ضرر بالمريض إذا تركه جاز له أن يصلي منفرداً، وإذا أمكن صلاتها بالقرب من المريض مع جماعة وجبت حينئذ.
2. الخوف:
فإذا خاف الإنسان ضرراً في نفسه أو ماله، سواء كان مصدر الخوف عدواً، أو شيئاً آخر عُذر بترك الجماعة، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر" -قالوا: وما العذر؟ قال: "خوف أو مرض، -لم تقبل منه الصلاة التي صلَّى".6
ويلحق به ما لو خاف الإنسان على نفسه من سيول جارفة أو غرق وشيكٍ يحول بينه وبين أداء الجماعة؛ لما ثبت عن محمود بن الربيع الأنصاري أن عتبان بن مالك -رضي الله عنه- وهو من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ممن شهد بدراً من الأنصار، أنه أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، قد أنكرت بصري وأنا أصلي لقومي، فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم، ووددت يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في بيتي، فأتخذه مصلى، قال: فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سأفعل إن شاء الله". قال عتبان: فغدا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر حين ارتفع النهار، فاستأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأذنت له، فلم يجلس حتى دخل البيت، ثم قال: "أين تحب أن أصلي من بيتك". قال: فأشرت إلى ناحية من البيت، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكبر، فقمنا فصصفنا، فصلى ركعتين ثم سلم، قال: وحبسناه على خزيرة صنعناها له".7 الخزيرة: نوع من الطعام.
3. طروء ما يشغل المصلي:
فإذا حصل لمن يريد الصلاة في الجماعة طارئ ما جاز له تركها؛ إذا كان لا يمكن أو لا يستطيع تأخيره أو يشق عليه من تأخيره بعد الصلاة.. وذلك كمثل إذا حضر الطعام وقت الصلاة والنفس تتوق إليه وخشي من التفكير فيه أثناء الصلاة والتشويش عليه؛ فحينئذ يجوز له تأخير الصلاة والبدء بالأكل، ولكن لا يجوز تعمد إحضار الطعام وقت الجماعة، وهو لا يشتهيه، أو تدفعه نفسه إليه، وفي هذا يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء، ولا يعجل حتى يفرغ منه". رواه البخاري ومسلم. وقال البخاري: وكان ابن عمر يوضع له الطعام وتقام الصلاة، فلا يأيتها حتى يفرغ، وإنه ليسمع قراءة الإمام، وقال زهير ووهب بن عثمان: عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان أحدكم على الطعام فلا يعجل حتى يقضي حاجته منه، وإن أقيمت الصلاة". إهـ.
ومن الطوارئ التي يترك بها المصلي صلاة الجماعة: إذا كان يدافعه الأخبثان: البول أو الغائط، فإذا حصل له ذلك استحب له أن يذهب لقضاء حاجته ويكره الصلاة وهو على تلك الحال، لما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان" رواه مسلم. والأخبثان هم البول والغائط، كما تقدم بيانه.
قال ابن حبان –رحمه الله-: "المرء مزجور عن الصلاة عند وجود البول والغائط؛ والعلة المضمرة في هذا الزجر هي: أن يستعجله أحدهما، حتى لا يتهيأ له أداء الصلاة على حسب ما يجب من أجله، والدليل على هذا تصريح الخطاب: "ولا يدافعه الأخبثان" ولم يقل: ولا وهو يجد الأخبثين، والجمع بين الأخبثين قصد به وجودهما معاً، وانفراد كل واحد منهما لا اجتماعهما دون الانفراد".8
4. المطر:
لما ثبت أن ابن عمر -رضي الله عنه- نادى بالصلاة في ليلة ذات برد وريح ومطر، فقال في آخر ندائه: ألا صلوا في رحالكم، ألا صلوا في الرحال، ثم قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر في السفر أن يقول: "ألا صلوا في رحالكم".9
ويدخل في ذلك البرد الشديد الذي يُخشى من الخروج فيه المرضُ أو التلف.
فهذه أهم الأعذار التي تحول بين المصلي وبين أدائه صلاة الجماعة..10
1- رواه البخاري ومسلم.
2- رواه ابن ماجه عن ابن عباس وابن عمر -رضي الله عنهما-، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (646). وقد رواه مسلم وغيره بلفظ: (الجُمُعات).
3- العَرق السمين: هو العظم الذي عليه بقية لحم قليل. (مرماتين) المرماة: بكسر الميم وفتحها، وهي ظلف الشاة، أو ما بين الظلفين، والمراد به هنا التحقير.
4- سيأتي تخريجه.
5- رواه البخاري ومسلم.
6- رواه أبو داود في سننه، قال الشيخ الألباني -رحمه الله-: (صحيح) دون جملة العذر، وبلفظ: ولا صلاة له، انظر: (صحيح أبي داوود (515) ).
7- رواه البخاري ومسلم.
8- صحيح ابن حبان (5/430). ط: مؤسسة الرسالة – بيروت.
9- رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
10- ذكر ابن حبان -رحمه الله- عشرة أعذار لترك الجماعة يعود مجملها إلى ما ذكر هنا والله أعلم، للمزيد راجع صحيح ابن حبان (5/415-450).
المصدر / منتدي نهر الحب
الإمام والمأموم
عليه افضل الصلاة والسلام

بارك الله فيك ورزقنا واياك والمسلمين اعالي الجنان
اللهم اجعلنا من مقيمين الصلاة
وممن يحافظ على ادائهآ في وقتها ع الوجه الذي يرضيك
وفقك المولى غلآي وجزاك خير الجزاء..
شاكره مرورك خيو امير
على الموضوع الجميل
جزاك الله خير ميسسو ~ بارك الله فيكي وفي طرحك عيوني
وديٍ . .}