تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الإمام والمأموم

الإمام والمأموم

بسم الله الرحمان الرحيمو الصلاة و السلام على أشرف المرسليننبينا محمد شفيع المسلمين


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الإمام والمأموم

آداب الإمــامة






الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.. أما بعد:
الإمامة منصب رفيع من مناصب الدين، وإذا أطلقت الإمامة فهي تنصرف إلى أحد معنيين:
الأول: الإمامة العظمى في الدين وهي قيادة الناس، والحكم فيهم بشرع الله -تعالى-، ويطلق عليها: القيادة، والإمارة، وغيرها.
الثاني: الإمامة الناس في صلاتهم. وهو المراد هنا، وسنعرض في هذه بعضاً من الآداب التي ينبغي لإمام الناس في الصلاة أن يتحلى بها، لينال شرف القيام بهذا العمل العظيم، وهذه الآداب منها ما هو واجب، ومنها المستحب، ومنها ما هو من باب الأولى، وكملة (الآداب) تشمل ذلك كله.
فمن تلك الآداب:
1. أن يكون الإمام حسن السلوك، مستقيماً على السنة، سليم المعتقد غير واقع في بدعة، فإن البدعة في الدين ضلالة، ومن وقع فيها وقع في الضلال، ولا ينبغي أن يؤم الناس ضال، أو فاسق متساهل بالمعاصي، إذ الإمامة فيها معنى القدوة، ولا قدوة في مبتدع أو فاسق فاسد الاعتقاد.
2. أن يكون فقيهاً بأحكام الصلاة وأحكام الإمامة. كما جاء في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة..)1 الحديث، على تفسير من فسر هذا الحديث بأن المقصود بالأقرأ هو الأفقه، كما هو في مذهب الإمام مالك بن أنس -رحمه الله-.2 ولأن الجاهل بأحكام الصلاة والإمامة قد يأتي بأمور منكرة أثناء الصلاة، فلا يحسن التصرف عندها، لاسيما عند السهو والخطأ أو نحو ذلك.
3. أن لا يؤم الناس وفيهم من هو خير منه، إلا أن يكون إماماً راتباً. فإن كان إماماً راتباً فهو الأولى بالإمامة إذا توفرت فيه شروط الإمامة، إلا أن يحضر ولي أمر المسلمين، فهو أولى بالإمامة من الراتب، ما لم يأذن له. والإمام الراتب أحق بالإمامة من غيره، ولو كان من وراءه أعلم منه وأفقه، فإن حضر قوم في مسجد من ولا إمام راتب استحب لهم تقديم الأكبر سناً والأكثر علماً وفهماً وإتقاناً للقرآن.
4. أن لا يؤم قوماً هم له كارهون. لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بين إثم ذلك، كما ثبت من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت و زوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون).3
وينبغي أن يعلم سبب كراهيتهم له، فإن كان سبب الكراهية له فسقه وظلمه وسوء خلقه، أو أنه واقع في مخالفة دينية، فتكره إمامته، بل قد تحرم حينئذ، أما إن كان الإمام ديِّناً مستقيماً على الشرع حسن الأخلاق، وكرهه أغلب المأمومين بسبب استقامته وتمسكه بالسنة، وعدم موافقته لهم على منكراتهم أو بدعهم فإن تلك الكراهة غير معتبرة، والله أعلم.
5. أن يكون حافظاً لكتاب الله، كثير القراءة له، عالماً بأحكامه، عاملاً به. ومرتبة حفظ القرآن مرتبة كمال في الإمامة؛ إذ أن الإمام الراتب تمر به صلوات مختلفة مثل صلاة الكسوف والخسوف، وصلاة التراويح، ونحوها من الصلوات التي تستدعي اليقظة وسرعة المبادرة للتلاوة من حفظه، مع ما في حفظ القرآن من اختيار الآيات التي تناسب الأحداث والعوارض التي تصادف الناس في حياتهم، فيتلو على الناس آيات الله -تعالى- بإتقان وحسن تلاوة، ولا يكون معتاد القراءة لآيات معينة يرددها في كل صلاة أو في كل يوم كونه لا يحفظ غيرها! فإن ذلك يبعث على السآمة والملل ونفور الناس من الصلاة خلفه، ومن هذا تظهر الحكمة النبوية من قوله -صلى الله عليه وسلم-: (يؤمُّ القوم أقرؤهم لكتاب الله..) على من فسر ذلك بكثرة القراءة وحسنها، وإجادة النطق، وإتقان التجويد، والعيش الدائم مع كتاب الله -تعالى-.
6. أن يكون مقصوده من الإمامة القيام بأمر من أمور الدين، لا ابتغاء عرض من الدنيا؛ لأن الإخلاص لله في كل عمل من واجبات الدين، ولا يقبل الله من أحد عملاً حتى يكون خالصاً صواباً، كما قال -تعالى-: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (سورة الكهف: 110) ، وقال -تعالى-: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ} (سورة الزمر: 11) ، وقال -عز وجل-: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (سورة البينة: 5). وغير ذلك من الآيات التي تأمر بإخلاص العبادة لله -عز وجل-. وكلما كان الإمام قريباً من الله مخلصاً في إمامته وتلاوته أثَّر في الناس أيما تأثير.
7. أن يكون حسن الصوت بالتلاوة، فإن ذلك أدعى لتأثير القرآن في قلوب المأمومين، ولهذا يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن).4 والتغني كما فسره غير واحد من أهل العلم هو تحسين الصوت بالقرآن.5
وقد كان عمر -رضي الله عنه- يقدم الشاب الحسن الصوت لحسن صوته بين يدي القوم.6
8. أن يستجيب لطلب الناس من حيث التيسير والتقصير في الصلاة، أو أي طلب لا يخالف الشرع، فقد جاء في الحديث عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- كان يصلي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة، فقرأ بهم البقرة، قال: فتجوز رجل فصلى صلاة خفيفة، فبلغ ذلك معاذاً، فقال إنه منافق، فبلغ ذلك الرجل، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إنا قوم نعمل بأيدينا ونسقي بنواضحنا، وإن معاذاً صلى بنا البارحة فقرأ البقرة، فتجوزت، فزعم أني منافق، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يا معاذ أفتان أنت -ثلاثاً- اقرأ {والشمس وضحاها}. و {سبح اسم ربك الأعلى} ونحوها).7
فهذه بعض الآداب التي ينبغي على الإمام مراعاتها حتى يقوم بهذا العمل الجليل حق القيام.
نسأل الله أن يوفق أئمة المسلمين لما فيه الخير والصلاح، وأن يصلح قلوبهم، ويجعل أعمالهم خالصة لوجهه الكريم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.


1- رواه مسلم من حديث أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه-.
2- بداية المجتهد لابن رشد (1/224).

3- رواه الترمذي وغيره، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (3057).
4- رواه البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
5- انظر مثلاً: (شرح صحيح مسلم للنووي 2/393).
6- فتح الباري لابن حجر العسقلاني (9/92).
7- رواه البخاري ومسلم.

المصدر / منتدي نهر الحب

9 أفكار بشأن “الإمام والمأموم”

  1. الفقه الاجتماعي عند الإمام
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء المرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.. أما بعد:
    يتجه المسلمون إلى المسجد ليروا المثل العليا في الأخلاق والقيم؛ وليجدوا من يقدِّرهم، ومن يراعي مشاعرهم؛ لأنهم يعلمون أن الله – عز وجل – قد ربى أهل المساجد على أحسن الأخلاق وأفضلها، رباهم على الكلمة الطيبة لكي لا يجرح بعضهم بعضاً، فأمرهم بأحسن القول: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا}1، وحذَّرهم من السخرية والاستهزاء بالآخرين، وظلمهم والتعدي عليهم يقول – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}2.
    والإسلام يهذب النفوس، ويعلمها كيف تعايش المجتمع، وكيف تكون مراعاة الشعور، وكل ذلك موجود في المسجد وبخاصة عند الإمام، وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – القدوة في ذلك، فقد كان يراعي الناس، ويقدر اهتماماتهم فهذه – على سبيل المثال – امرأة يبكي طفلها وهي في الصلاة؛ فما الذي فعله النبي – صلى الله عليه وسلم – لأجلها؟
    عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إني لأدخل الصلاة أريد إطالتها؛ فأسمع بكاء الصبي فأخفف؛ من شدة وجد أمه به))3، وعنه أيضاً أنه قال: "كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يسمع بكاء الصبي مع أمه وهو في الصلاة، فيقرأ بالسورة الخفيفة، أو بالسورة القصيرة"4، فانظر إلى رحمته ورفقه بالمصلين، وانظر إليه وهو يشعر بمشاعرهم، ويحس بإحساسهم قال الإمام النووي – رحمه الله تعالى -: "الوجد يطلق على الحزن، وعلى الحب أيضاً، وكلاهما سائغ هنا، والحزن أظهر: أي من حزنها واشتغال قلبها به، وفيه دليل على الرفق بالمأمومين وسائر الأتباع، ومراعاة مصلحتهم، وأن لا يدخل عليهم ما يشق عليهم – وإن كان يسيراً – من غير ضرورة"5، ويقول صاحب فيض القدير: "قوله في بعض الطرق لمسلم: كان يسمع بكاء الطفل مع أمه، وفي معناه ما لو كان الصبي في بيت أمه، وأمه في المسجد في الصلاة، وهذا من كريم عوائده، ومحاسن أخلاقه، وشفقته على أمته {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}6، وقد خصه الله من صفة الرحمة بأتمها وأعمها، وذِكْرُ الأم غالبِيٌ، فإنه كان أرحم الناس بالصبيان، فمثلها من قام مقامها كحاضنته أو أبيه مثلاً، والقصد به بيان الرفق بالمقتدين، وفيه إيذان بفرط رحمة المصطفى – صلى الله عليه وسلم -، فإنه قوي عليه باعث الرحمة لأمه وغلبه"7، وقال أيضاً: "وفيه أن الإمام إذا أحس بداخل وهو في ركوعه أو تشهده الأخير؛ له انتظار لحوقه راكعاً؛ ليدرك الركعة، أو قاعداً ليدرك الجماعة؛ لأنه إذا جاز له أن يقصر صلاته لحاجة غيره في أمر دنيوي؛ فللعبادة أولى، وفيه جواز صلاة النساء مع الرجال في المسجد، وإدخال الصبيان وإن كان الأولى تنزيهه عنه، والرفق بالمأموم والأتباع، وإيثار تخفيف الصلاة لأمر حدث، وإن كان الأفضل في تلك الصلاة التطويل كالصبح"8، وقد نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن التطويل الذي لا يستطيعه المأمومون، فيراعي الإمام ظروفهم الصحية، وأشغالهم الدنيوية فعن جابر بن عبد الله الأنصاري – رضي الله عنه – قال: "أقبل رجل بناضحين وقد جنح الليل، فوافق معاذاً يصلي، فترك ناضحه وأقبل إلى معاذٍ، فقرأ بسورة البقرة أو النساء، فانطلق الرجل، وبلغه أن معاذاً نال منه، فأتى النبي – صلى الله عليه وسلم – فشكا إليه معاذاً، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((يا معاذ أفتان أنت، أو أفاتن – ثلاث مراراً -، فلولا صليت بسبح اسم ربك، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى، فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة))9، وعن أبي مسعود الأنصاري – رضي الله عنه – قال: "جاء رجل إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصبح؛ من أجل فلان مما يطيل بنا، فما رأيت النبي – صلى الله عليه وسلم – غضب في موعظةٍ قط أشد مما غضب يومئذٍ، فقال: ((يا أيها الناس: إن منكم منفرين، فأيكم أمَّ الناس فليوجز، فإن من ورائه الكبير، والضعيف، وذا الحاجة))10، فلا بد أن يكون الإمام فقيهاً بأحوال المأمومين، فقد يبغِّض لهم صلاة الجماعة فيحصل بذلك شر عظيم من ترك الجماعات، وهجر المساجد يقول عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -: "أيها الناس لا تبغِّضوا الله إلى عباده، فقال قائل منهم: وكيف ذلك؟ قال: يكون الرجل إماماً للناس يصلي بهم فلا يزال يطول عليهم حتى يبغض إليهم ما هم فيه، أو يجلس قاصاً فلا يزال يطول عليهم حتى يبغض إليهم ما هم فيه"11، وقال ابن حجر – رضي الله عنه -: "ومعنى الفتنة هاهنا: أن التطويل يكون سبباً لخروجهم من الصلاة، وللتكره للصلاة في الجماعة"12.
    وما ذكرت ما هي إلا أمثلة على الفقه الاجتماعي الذي كان عليه النبي – صلى الله عليه وسلم -، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه كل إمام مسجد، فينظر فيما ينفر الناس عن المسجد فيتقيه، وينظر في أحوال المأمومين فيتأقلم مع ظروفهم، محبباً لهم بيوت الله – تعالى -.
    ومن الحس الاجتماعي المطلوب السؤال عن الغائب من المصلين، ومؤانسة المكلوم، ومساعدة المحتاج، فالأمة تنتظر منكم كل خير، فكونوا خيراً مما يظنون.
    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

    1 سورة الإسراء (53).
    2 سورة الحجرات (11).
    3 البخاري (669)، مسلم (723).
    4 مسلم (722).
    5 النووي (4/187).
    6 سورة الأحزاب (43).
    7 فيض القدير شرح الجامع الصغير لعبد الرؤوف المناوي (3/17).
    8 نفس المصدر السابق.
    9 البخاري (664).
    10 البخاري (661)، ومسلم (713).
    11 التمهيد (19/12).
    12 فتح الباري (2/195).

    المصدر / منتدي نهر الحب



  2. دور أئمة المساجد في الأحداث

    الحمد لله رب العالمين، ولي المتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد الغر المحجلين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، أما بعد:
    فما أكثر الأحداث التي تجري في محيط بلاد المسلمين، وما أشد الملمات التي يقدح شررها في ربوع ديارهم
    ففي كل جزء من بلادي مشهد يروي ضياع كرامة الإنسان
    هذه النوازل المدلهمة بأمة الإسلام؛ بحاجة ماسة إلى لبيب يحسن توجيه الناس فيها، وقائد يجيد ترشيدهم لما ينبغي عليهم صنعه إزاء ها، وكيف لهم أن يتعاطوها أو يتعاملوا معها؟
    وحقيقة لا يضطلع بهذا الدور مثل أئمة المساجد الذين ارتضاهم الناس ليكونوا لهم أئمة في أعظم شعيرة افترضها الله عليهم ألا وهي الصلاة، فكيف بما هو دونها من القضايا والمسائل والنوازل؟
    ولعل من نافلة القول أن نشير إلى أسباب تدعم استئثارهم بهذا الدور أكثر من غيرهم إذ هم:
    أولاً: محل ثقة الناس، وموطن قبول عندهم، فما صدر منهم يجد طريقه إلى نفوسهم وقلوبهم.
    ثانياً: أن المساجد مهوى أفئدة الناس، وفيها اجتماعهم، وهم المخولون على القيام برسالة المسجد الربانية، ولنا أن نسأل إذا لم يقوم بهذه المهمة أئمة المساجد والقائمون عليها فمن إذاً سيقوم بها؟
    ويجدر بنا أن نجلي هذا الدور الذي تنتظره الأمة من أئمة مساجدها حيال النوازل، ومجريات الأحداث، وفتيل نار المصائب والضربات، ودعنا نجتهد سوياً في تجلية صور هذا الدور؛ عسانا أن نخرج بصورة أكثر اشراقاً ووضوحاً، وما أغفلناه ينبغي أن تذكره أيها الإمام فمن ذلك:
    أولاً: التأكيد على أن هذه المحن التي عصفت ببلاد المسلمين، وحلَّت في دورهم وأرضهم؛ ما كانت لتكون لولا ذنوبنا وتقصيرنا وتفريطنا في جنب الله، وأن كل معصية نقترفها ما تزيد إخواننا إلا نكالاً ووبالاً، والمرء يعتبر شريكاً في صنع مأساة إخوانه ما دام والحالة هذه كما قال سبحانه: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا}1 {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}2 وأنه لا تقع مصيبة في الأرض إلا بذنب، ولا ترفع إلا بتوبة.
    ويستشهد على ذلك بالآيات والأحاديث، والمواقف الناطقة من تاريخ المسلمين، حتى تجد في قلوب السامعين قراراً مكيناً، ويذكرهم بأن الملاذ من شرها، والمخرج من هولها؛ هو الاعتصام بحبل الله، والالتياذ بجنابه، والعودة الصادقة إلى كتابه، وتحكيم شريعته، والابتعاد عن أسباب سخطه وغصبه، إذ لا ملجأ من الله إلا إليه، ولا عاصم من الله إلا هو.
    ثانياً: إيضاحه أن ما يحدث في الكون من الأزمات والمدلهمات، والنكاية بالمسلمين من أعداء الله؛ تجري وفق تدابير ربانية، وحكم إلهية شاءها الله وأرادها، وعلم خيرها لمن وقع فيها، وإن كان الظاهر خلاف ذلك، وهي في كل واقعة بحسب؛ إلا أن الله قد جلَّى بعضها فمن ذلك:
    أنها تمحيص لأهل الإيمان كما قال سبحانه: {وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ}.
    الاصطفاء والانتقاء: {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء}3 فيقف على ما يفتح الله – سبحانه – عليه من الحكم الباهرة في إرادته، القاهرة والنافذة في النوازل، ويدعو الناس للتسليم بأمر الله فيما يحدث على ظهر هذه البسيطة من السراء والضراء فله سبحانه {الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ}4.
    ثالثاً: إمعانه النظر في سنن الله الكونية، والتي اقتضت أن الصراع بين الحق والباطل قائم إلى أن تقوم الساعة، وأن دول الكفر لا تفتأ تقارع أهل الحق ما دامت لها القوة والمنعة، والصولة والجولة، وأنهم كلما أوقدوا ناراً للحرب وأطفأها الله، أشعلوا ناراً أخرى في بقعة ما من الأرض، بغيتهم ما قال الله {حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ}5 و{حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}6 ولكن عزاء أهل الإيمان أن الغلبة والتمكين والاستخلاف بيد الله، وقد وعد به عباده الموحدين: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}7.
    رابعاً: دفعهم للتفاؤل بالواقع وإن كان اليأس بالمرصاد، وإيراده لنصوص الشريعة من الكتاب والسنة التي تدعو المؤمن أن يعيش هذه الروح المتفائلة التي عاشها النبي – صلى الله عليه وسلم – في أحلك الظروف، وأشد المواقف، بل كان – صلى الله عليه وسلم – يعجبه الفأل، ويستعرض الوقائع من التاريخ والسير والمغازي في تغير الأحوال، وغلبة جند الإيمان؛ رغم اشتداد المحن، وبزوغ نجم الكفر والفتن، ويستخدم في ذلك العبارات المرهفة كقولهم: "المنحة في قلب المحنة"، و"الآلام محاضن الآمال"، و"من رحم المعاناة يولد النصر"؛ ليبعث في النفوس المكلومة الأمل، ويرسم على الشفاة المحرومة معنى الابتسامة.
    خامساً: يبين الأسباب التي لو أخذت بها الأمة كان النصر حليفها، ويقف أيضاً على الأسباب التي أخرت النصر عن الأمة، وجعلتها في ذيل القافلة، ومؤخرة الركب، ويؤكد على أن النصر يصنعه كل مسلم على ظهر الأرض لا يتخلف عن ذلك أحد، وما ينبغي للمسلمين فعله حتى يجعل الله النصر حليفهم، ويعيد الهيبة لهم.
    سابعاً: يشير إلى أن الألم الذي يعتصر القلوب هو تعبير عن الحياة، والانتماء، والإحساس بالشعور الأخوي ((الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ))8 وهو استجابة عفوية لمعاناة في جزء مجروح في هذا الجسد الكبير، وما أعظم أن يعيش الإنسان حال إخوانه ومأساتهم مستشعراً معنى الجسد الواحد، واللحمة الواحدة كما أخبر المصطفى – صلى الله عليه وسلم – ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))9 وهذا يعدُّ أقل الواجب المفروض تجاه إخوانه.
    ثامناً: أن يتطرق إلى مسألة مدافعة القدر بالقدر كما قال عمر – رضي الله عنه -: "نفر من قدر الله إلى قدر الله"، فمن مدافعة القدر أن نستفرغ وسعنا كله في مساندة المصابين، ورفدهم ودعمهم بكل ممكن مقدور، فالدعوة الصادقة بظهر الغيب ((تفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب – عز وجل -: "وَعِزَّتِى لأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ"))10 حتى لو كانت من كافر أو فاجر مظلوم، فكيف بدعوة المسلم الموحِّد.
    والقنوت في الصلوات، وتوجيه الدعاء على الظالمين أن يحصيهم الله عدداً، ويقتلهم بدداً، ولا يبقى منهم أحداً، وأن يردَّ كيدهم في نحورهم، ويهزمهم، والاستغاثة بأسمائه الحسنى، واسمه العظيم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب، ولا بد أن في مليار مسلم ونيف من لو أقسم على الله لأبرَّه، ولا يحسن أن يتشتت الناس، وتتفرق قلوبهم في تطويل الدعاء، والانتقال به إلى موضوعات لا تخص النازلة، فلندع أن يجعل الله المحنة برداً وسلاماً على أهل غزة كما جعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم.
    والكلمة الطيبة في قناة، أو إذاعة، أو مقالة، أو جريدة، أو موقع، أو مجلس، أو عند مسئول، أو سواه، أو على منابر المساجد.
    وتوظيف وسائل الاتصال من مواقع إلكترونية، وقوائم بريدية، ومنتديات، ومحطات.
    والتبرع بالدم للمصابين.
    والتبرع بالمال والمواد العينية حيث المراكز المفتوحة المخصصة لذلك.
    والمشاركة بوسائل الاحتجاج في كل بلد بحسبه، وممارسة الضغوط على أصحاب القرار؛ ليتحركوا بشكل صحيح تفاعلاً وتجاوباً ونصرةً لإخوانهم في الدم والعقيدة.
    وفي الختام: فليتأكد إمام المسجد أن هذه المسئولية مناطة به أكثر من غيره، فليعقل جواده، وليتوكل على الله، وهو حسبه وكافيه، ثم لا ينسى أن يفتح باباً بينه وبين الله يرجو منه المدد والإلهام، والتوفيق في الإفهام، فالمسألة تتعلق بأمة وجهت أعناقها إليك تنتظر من يحسن توجيهها، وأنت أعظم المخولين لذلك، كان الله في عونك، وليرعك حيث كنت.
    والله ولي التوفيق.

    1 سورة الروم (41).
    2 سورة الشورى (30).
    3 سورة آل عمران (140).
    4 سورة الروم (4).
    5 سورة البقرة (217).
    6 سورة البقرة (120).
    7 سورة الأنبياء (105).
    8 رواه البخاري برقم (459)، ومسلم برقم (4684).
    9 رواه مسلم برقم (4685).
    10 رواه الترمذي برقم (3522)، وابن ماجه برقم (1742)، وأحمد برقم (7700)، وضعفه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير برقم (6339).



  3. الدور التعليمي والتربوي لإمام المسجد
    الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد:
    فإن مسئولية إمام المسجد سواء كان في المدينة أو القرية تجاه المصلين ذات جوانب عديدة، وهي بحسب دوره التعليمي والتربوي والاجتماعي, وهذه الجوانب الثلاثة مأخوذة من طبيعة رسالة المسجد الذي يستمد مكانته الربانية من كونه مضافاً إلى الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (18) سورة الجن.
    وهو أشرف البقاع وأحبها إلى الله ففيه يذكر اسم الله، ويسبح له، وتقام الصلاة, قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ* رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} (37) سورة النــور.
    ولما كان المسجد بهذه المكانة بدأ به النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يستقر به المقام عندما وصل إلى حي بني عمرو بن عوف في قباء, حيث بدأ ببناء مسجد قباء، وهو أول مسجد بني في المدينة، وأول مسجد بني لعموم الناس في هذه الملة، كما ذكر الإمام ابن كثير رحمه الله1.
    ثم لما واصل سيره إلى قلب المدينة المنورة -المسماة آنذاك بيثرب- كان أول ما قام به تخصيص أرض لبناء مسجده ثم الشروع في بنائه، وقد كان هذا هو الأساس الأول لبناء الدولة المسلمة؛ حيث قامت على ثلاثة أسس: الثاني منها هو المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين، والثالث هو تلك المعاهدة التاريخية التي كانت نتيجتها أن تكون القيادة للرسول -صلى الله عليه وسلم- على المسلمين والمشركين واليهود.
    إن الكاتب مهما تحدث عن مكانة المسجد، ومهما أورد من النصوص في ذلك، فإن وظائف المسجد أكثر إظهارا لمكانته في الإسلام، فعلى سمائه ترتفع الدعوة إلى الإيمان والعمل الصالح، وفي صحنه يؤخذ الإيمان، ويؤدى العمل الصالح، ومن على منبره يعلم الإيمان والعمل الصالح، وفيه يدعى إلى الجهاد في سبيل الله، وفيه تنظم كتائب الجهاد في سبيل الله، ومنه تنطلق جحافل الإيمان
    تحت راية الجهاد في سبيل الله.
    وفي المسجد تتعلم الأجيال الصاعدة كيف تهدأ وتسكن، وترعى حرمة المساجد، فلا صياح ولا صخب، ولا حديث بأصوات مرتفعة، ولا بيع ولا شراء، ولا نشدان ضالة ونحو ذلك.
    في المسجد تتعلم الأجيال النظام والدقة, وفي المسجد يتعلم الناس التواضع والمساواة والعطف، والبر والالتزام بكل واجب، والطاعة والامتثال، وفي المسجد يتعلم الناس صغاراًَ وكباراً يتعلمون العلم ويتفقهون في أمور دينهم، ويعلمون من أحوال إخوانهم المسلمين في البلاد النائية ما لا بد أن يعلموا عنهم حتى يمدوا لهم يد العون إن كانوا في حاجة إلى عون، والرأي والمشورة إن كانوا محتاجين إلى رأي ومشورة.
    وفي المسجد يحدث التعارف بين المسلمين، وينمو التآلف والتواد, وفي المسجد تصقل الشخصية المسلمة ويزول عنها ما يحتمل أن يكون قد علق بها من عيوب اجتماعية كالانعزالية والتواكلية والأنانية، حيث يهيئ المسجد لرواده مجال الانطلاق في المجتمع والتعرف على الناس، والتآخي معهم ومناصرتهم ماداموا على الحق.
    مما سبق يتضح أن المسجد جامعة عظيمة ينطلق منها المد الإسلامي ليعم الدنيا بنوره وعدله، وأنه المحضن الأول لكل نهضة وإصلاح، وأن رسالته تعليمية وتربوية واجتماعية، وهذه الجوانب الثلاثة لا يمكن أن تقوم بدون قائم عليها, فهل المسجد المبني من الطوب أو الحجارة، والمشيد أحياناً على أحسن بناء هو الذي يتولى مهمة التعليم والتربية وغيرها؟
    إننا نرى أحياناً مساجد قد شيد بناؤها، واتسعت أورقتها، وبدت منائرها ماثلة للعيان من مسافات بعيدة، ولكننا لا نرى أي جانب من الجوانب السابقة قد حظي فيها بالعناية والاهتمام، ونرى أحياناً مساجد بنيت بناء عادياً ليس فيه أدنى كلفة، لكنه قد تخرج فيها رجال أفاضل، وحظيت تلك الجوانب بأهمية كبرى وعناية فائقة؛ ذلك أن المساجد برجالها القائمين عليها من مسئولين وأئمة, ومن هنا فإن مسئولية إمام الجامع كبيرة جداً، وقد لا يستطيع -وهذا هو الغالب- القيام بها وحده، بل لا بد له من معاونين.
    إذن فمهمته تعليمية وتربوية واجتماعية، ومن الضروري أن يرسم المنهج بالتنسيق مع الجهة المسئولة في منطقته، ويضع برنامج هذا الجامع المتعدد الجوانب، وينفذ ما يستطيع بنفسه، ثم يكون حلقة وصل فيما يعجز عنه بنفسه بين الجامع وأهل القدرة والمسئولية لينفذ رسالته ويؤدي وظيفة المسجد المتكاملة.
    أما الجانب التعليمي والتربوي فنجعله في الأمور الآتية:
    أولاً: إقامة الدروس العامة، التي من شأنها تفقيه المسلمين، وتعليمهم حقائق دينهم من كتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- مع العناية بسلامة العقيدة من الخرافات، وسلامة العبادة من البدع، وسلامة الأخلاق والآداب من الغلو والتفريط.
    ثانياً: إقامة الندوات والمحاضرات لمواجهة شبهة، أو فكر منحرف، أو حل مشكلة اجتماعية ينتدب لها المتخصصون، أو التركيز على جوانب تتعلق بمناسبة معينة، أو الحديث في موضوع من شأنه تثبيت معنى الأخوة الإسلامية، ومقاومة النزعات والعصبيات العنصرية المفرقة للأمة الواحدة.
    ثالثاً: إنشاء مكتبة تضم مجموعة من الكتب المنوعة، مع التركيز فيها على كتب السلف المعتمدة، وتحديد أوقات المطالعة فيها، وإسناد الإشراف عليها إلى شخص له خبرة بالكتب، وثقافة واسعة، وبعد نظره حتى لا تكون المكتبة وسيلة لنشر الكتاب الذي قد امتلأ بالمفاهيم المغلوطة، أو موضوعات الإثارة، أو قضايا الخلاف التي لا تفيد, ويكون الإشراف والمسئولية على إمام المسجد.
    رابعاً: فتح حلقات تحفيظ القرآن بالتنسيق مع جماعة تحفيظ القرآن الكريم، لتكليف المعلم ويتولى الإمام، وأسرة المسجد الإشراف والمتابعة كما هو حاصل في بعض الجوامع التي وفقت بإمام نشيط، وله اهتمامات وعناية بكتاب الله -عز وجل- وبأبناء الحي أو القرية.
    خامساً: يقوم الإمام المتخصص القادر بالتنسيق مع الجهة المعنية بفتح حلقات لتعليم الراغبين سواء كانت هذه الدروس التخصصية في فروع متعددة أو في مجال معين يحدده هو، كأن يركز على دروس العقيدة؛ لأن له بذلك اهتماماً أكثر من غيره, أو على جانب الفقه أو التفسير أو الحديث أو السيرة.
    وأما الذي لا يستطيع القيام بالدروس العامة أو التخصصية، فإن عليه بالتنسيق مع الجهة المسئولة أن يرتب درساً يكون في الأسبوع لعالم من العلماء أو في الأسبوعين، خاصة إذا لم يكن في المنطقة شيء من هذا، ولا نقصد تحويل جميع المساجد الجوامع إلى دروس مستمرة ومتنوعة؛ لأن هذا لا يتأتى، وقد يزيد على الحاجة فيمل الناس، وإنما نقصد اختيار مسجد من المساجد، وتركيز الدروس فيه مع التنسيق بين أئمة الجوامع، هذا في الدروس الثابتة أمام إقامة محاضرة أو ندوة يدعى فيها العلماء؛ فإن المساجد كلها بحاجة، وهذا ممكن وسهل جداً؛ خاصة وأن الله قد ميز كثير من بلدان المسلمين في هذا الزمن بكثرة الدعاة طلاب العلم الغيورين الذين لديهم الاستعداد للقيام بالمحاضرات والندوات والدروس في مختلف الجهات.
    ولا يفوتنا هنا أن نبين دوراً آخر ليس بأقل أهمية مما سبق مما ينبغي على إمام الجامع أن يهتم به كغيره من الأدوار؛ بل هو متصل بالدور التعليمي والتربوي, وبه تتكامل الأدوار, ذلكم الدور هو الدور الاجتماعي, والدور الاجتماعي نعني به الأمور الآتية:
    أولاً: التماس الحل لمشكلة تقع بين اثنين من جماعة المسجد، والصلح بينهما، وقطع أسباب الخصومة والخلاف.
    ثانياً: تلمس أحوال الفقراء والمساكين المحتاجين إلى دعم ومساعدة، وجمع المال الذي يعينهم على الخروج من المأزق الذي يقعون فيه.
    ثالثاً: عقد لقاءات من خلال الزيارة الشهرية –أو بحسب ما يتفقون عليه شهرية أو أسبوعية أو غير ذلك المهم أن يكون هناك تواصل ومحبة- والتي يتم فيها التعارف والتآلف، وإزالة ما في النفوس أحياناً، والدعوة إلى مناسبة تقام يجتمع فيها جماعة المسجد، واستغلال المواسم، مثل رمضان والأعياد؛ ليتم فيها الزيارة، ويحصل بها التواصل والمحبة والإخاء.
    وفي كل هذه الأمور يقع جزء كبير من المسئولية على إمام المسجد فهو القدوة والمحرك للجماعة إذا حرص على ذلك، ولا يخفى ما لهذا من الفوائد العظيمة، وهو في كل عمل يقوم به يحتاج إلى أبرز الجماعة ليعاونوه فيما يقوم به2.
    نسأل الله الكريم أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى, وهو الهادي إلى سواء السبيل, وصلى الله على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه وسلم, والحمد لله رب العالمين.

    1 البداية والنهاية – (3/255).
    2 مسؤولية إمام المسجد لـ(علي بن حسن بن ناصر عسيري).



  4. أعذار ترك الجماعة

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه وسار على طريقته إلى يوم الدين.. أما بعد:

    فإن صلاة الجماعة من أفضل الأعمال التي يتقرب بها الإنسان إلى ربه -تعالى-، وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- عظيم فضل صلاة الجماعة كما في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- مرفوعاً: "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة".1 وهدد -صلى الله عليه وسلم- الذين يتخلفون عنها، كما في قوله: "لينتهين أقواهم عن ودعهم الجماعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين".2 وقوله: "والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عَرْقاً سميناً أو مِرْماتين حسنتين3 لشهد العشاء" رواه البخاري عن أبي هريرة. وفي صحيح مسلم: "إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيها لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار".

    فدلت هذه الأحاديث على فضل الجماعة، وعلى أن تركها والتهاون بها معصية لله، وكل ذلك يؤكد وجوبها مع جماعة المسلمين..

    فهذا هو الأصل في صلاة الجماعة أنها تجب على الأعيان، ولا يجوز لأحد أن يتخلف عنها إلا من عذر كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر"4.. والأعذار التي يسقط بها وجوب الجماعة قد وضحتها سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.. فمنها:

    1. المرض:

    إذا مرض الإنسان مرضاً مقعداً لم يمكنه من أداء الجماعة في المسجد جاز له أن يصلي الفرض مكانه، لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما مرض كان يصلي في بيته كما ثبت عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها قالت: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيته وهو شاكٍ، فصلى جالساً، وصلى وراءه قوم قياماً فأشار إليهم أن اجلسوا، فلما انصرف قال: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً" رواه البخاري ومسلم.

    فدل الحديث على أن المرض عذر يسقط وجوب الجماعة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى في بيته وهو شاكٍ أي: مريض، ثم أتى قوم يزورونه فصلوا خلفه، فكانت صلاتهم معه جماعة إنما هي في بيته وقد دخلوا معه أثناء الصلاة؛ بدليل أنه أشار إليهم بالجلوس وهو يصلي، ولو دخلوا معه من أولها لأمرهم بالجلوس وبين لهم الحكم قبل أن يفعلوه.

    وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "لم يخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاثاً، فأقيمت الصلاة فذهب أبو بكر يتقدم، فقال نبي الله -صلى الله عليه وسلم- بالحجاب فرفعه، فلما وضح وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- ما نظرنا منظراً كان أعجب إلينا من وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- حين وضح لنا، فأومأ النبي -صلى الله عليه وسلم- بيده إلى أبي بكر أن يتقدم، وأرخى النبي -صلى الله عليه وسلم- الحجاب فلم يُقدر عليه حتى مات".5

    ويدخل في حكم المريض من يرافقه، فإذا خاف مرافق المريض وقوع ضرر بالمريض إذا تركه جاز له أن يصلي منفرداً، وإذا أمكن صلاتها بالقرب من المريض مع جماعة وجبت حينئذ.

    2. الخوف:

    فإذا خاف الإنسان ضرراً في نفسه أو ماله، سواء كان مصدر الخوف عدواً، أو شيئاً آخر عُذر بترك الجماعة، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر" -قالوا: وما العذر؟ قال: "خوف أو مرض، -لم تقبل منه الصلاة التي صلَّى".6

    ويلحق به ما لو خاف الإنسان على نفسه من سيول جارفة أو غرق وشيكٍ يحول بينه وبين أداء الجماعة؛ لما ثبت عن محمود بن الربيع الأنصاري أن عتبان بن مالك -رضي الله عنه- وهو من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ممن شهد بدراً من الأنصار، أنه أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، قد أنكرت بصري وأنا أصلي لقومي، فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم، ووددت يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في بيتي، فأتخذه مصلى، قال: فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سأفعل إن شاء الله". قال عتبان: فغدا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر حين ارتفع النهار، فاستأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأذنت له، فلم يجلس حتى دخل البيت، ثم قال: "أين تحب أن أصلي من بيتك". قال: فأشرت إلى ناحية من البيت، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكبر، فقمنا فصصفنا، فصلى ركعتين ثم سلم، قال: وحبسناه على خزيرة صنعناها له".7 الخزيرة: نوع من الطعام.

    3. طروء ما يشغل المصلي:

    فإذا حصل لمن يريد الصلاة في الجماعة طارئ ما جاز له تركها؛ إذا كان لا يمكن أو لا يستطيع تأخيره أو يشق عليه من تأخيره بعد الصلاة.. وذلك كمثل إذا حضر الطعام وقت الصلاة والنفس تتوق إليه وخشي من التفكير فيه أثناء الصلاة والتشويش عليه؛ فحينئذ يجوز له تأخير الصلاة والبدء بالأكل، ولكن لا يجوز تعمد إحضار الطعام وقت الجماعة، وهو لا يشتهيه، أو تدفعه نفسه إليه، وفي هذا يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء، ولا يعجل حتى يفرغ منه". رواه البخاري ومسلم. وقال البخاري: وكان ابن عمر يوضع له الطعام وتقام الصلاة، فلا يأيتها حتى يفرغ، وإنه ليسمع قراءة الإمام، وقال زهير ووهب بن عثمان: عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان أحدكم على الطعام فلا يعجل حتى يقضي حاجته منه، وإن أقيمت الصلاة". إهـ.

    ومن الطوارئ التي يترك بها المصلي صلاة الجماعة: إذا كان يدافعه الأخبثان: البول أو الغائط، فإذا حصل له ذلك استحب له أن يذهب لقضاء حاجته ويكره الصلاة وهو على تلك الحال، لما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان" رواه مسلم. والأخبثان هم البول والغائط، كما تقدم بيانه.

    قال ابن حبان –رحمه الله-: "المرء مزجور عن الصلاة عند وجود البول والغائط؛ والعلة المضمرة في هذا الزجر هي: أن يستعجله أحدهما، حتى لا يتهيأ له أداء الصلاة على حسب ما يجب من أجله، والدليل على هذا تصريح الخطاب: "ولا يدافعه الأخبثان" ولم يقل: ولا وهو يجد الأخبثين، والجمع بين الأخبثين قصد به وجودهما معاً، وانفراد كل واحد منهما لا اجتماعهما دون الانفراد".8

    4. المطر:

    لما ثبت أن ابن عمر -رضي الله عنه- نادى بالصلاة في ليلة ذات برد وريح ومطر، فقال في آخر ندائه: ألا صلوا في رحالكم، ألا صلوا في الرحال، ثم قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر في السفر أن يقول: "ألا صلوا في رحالكم".9

    ويدخل في ذلك البرد الشديد الذي يُخشى من الخروج فيه المرضُ أو التلف.

    فهذه أهم الأعذار التي تحول بين المصلي وبين أدائه صلاة الجماعة..10

    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


    1- رواه البخاري ومسلم.

    2- رواه ابن ماجه عن ابن عباس وابن عمر -رضي الله عنهما-، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (646). وقد رواه مسلم وغيره بلفظ: (الجُمُعات).

    3- العَرق السمين: هو العظم الذي عليه بقية لحم قليل. (مرماتين) المرماة: بكسر الميم وفتحها، وهي ظلف الشاة، أو ما بين الظلفين، والمراد به هنا التحقير.

    4- سيأتي تخريجه.

    5- رواه البخاري ومسلم.

    6- رواه أبو داود في سننه، قال الشيخ الألباني -رحمه الله-: (صحيح) دون جملة العذر، وبلفظ: ولا صلاة له، انظر: (صحيح أبي داوود (515) ).

    7- رواه البخاري ومسلم.

    8- صحيح ابن حبان (5/430). ط: مؤسسة الرسالة – بيروت.

    9- رواه البخاري ومسلم واللفظ له.

    10- ذكر ابن حبان -رحمه الله- عشرة أعذار لترك الجماعة يعود مجملها إلى ما ذكر هنا والله أعلم، للمزيد راجع صحيح ابن حبان (5/415-450).

    المصدر / منتدي نهر الحب



  5. الإمام والمأموم

    عليه افضل الصلاة والسلام
    بارك الله فيك ورزقنا واياك والمسلمين اعالي الجنان
    اللهم اجعلنا من مقيمين الصلاة
    وممن يحافظ على ادائهآ في وقتها ع الوجه الذي يرضيك
    وفقك المولى غلآي وجزاك خير الجزاء..



  6. يا ريت يا ميوس العرب يتعظه حكامنا وامتنا غير هيك لا حول ولا قوه الا بالله بارك الله فيك
    على الموضوع الجميل



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.