تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » ثمن الغربة الزواج بالمراسلة

ثمن الغربة الزواج بالمراسلة

بسم الله الرحمان الرحيمو الصلاة و السلام على أشرف المرسلين

ثمن الغربة…الزواج بالمراسلة

لم يكن يفكر في نفسه عندما قرر السفر للعمل في دولة خليجية براتب مغرٍ تاركا زوجته وأطفاله، حينها أخذته دوامة الأرقام ووضع مع زوجته خطة لبناء حياة أكثر سعة، كان يشعر بالذنب تجاههم إذا ما اقتنص لحظات نادرة يروح بها عن نفسه طوال سنوات غربته، وعندما استقر وضعه المادي سارع باستقدامهم لينعموا معا بسعادة حرموا منها طويلا، ولكن للأسف وجد نفسه مكبلا بقيود أسرية كان في حل منها، كما أن زوجته اعتادت على الحياة بدونه لسنوات، ولم تفلح السنوات العشر الأولى للزواج في التغلب على أحاسيس ط§ظ„ط؛ط±ط¨ط© التي قضت على مشاعر الألفة بينهما، انتهى الأمر بالطلاق وعادت الزوجة والأبناء للوطن والجميع يعض بنان الندم… لكن بعد فوات الأوان!!

لم تكن تلك الحكاية سوى جزء من شريط واقعي تتكرر أحداثه كل يوم.. أبطاله زوج أو زوجة اختارا بمحض إرادتهما أن يسافر أحدهما ويقيم بمنأى عن شريك حياته؛ بحثا عن لقمة العيش.
معادلة صعبة، حلها المطروح لا يخرج عن خيارين كليهما مر، فإما أن يبقى الزوج مع أسرته ويتحمل ضيق ذات اليد، أو يتركها في وطنه ويغترب؛ طمعا في توفير حياة كريمة لها.
بين رحى تلك المعادلة يعيش الأزواج مغتربين عن وطنهم وأسرهم، الدوافع والأسباب بالطبع تختلف من حالة إلى أخرى، فتارة تلعب الظروف المادية دورا في عدم تمكن الزوج من اصطحاب أسرته معه، وتارة أخرى تلعب ظروف اجتماعية دورا في ذلك، وبين هذا وذاك تبقى حقيقة واحدة يتحول بمقتضاها ذلك الرابط الأسري القائم أساسا على الاستقرار، إلى مجرد حالة التقاء مؤقت بين إجازة وأخرى، أو بمعنى أدق يصبح ط§ظ„ط²ظˆط§ط¬ ط¨ط§ظ„ظ…ط±ط§ط³ظ„ط© فقط.

مشكلات أسرية

وإذا كان سفر الأزواج للعمل هو ضرورة لا تفرضها سوى احتياجات أسرهم، فإن إيمان إسماعيل عبد الله- الباحثة في شئون الأسرة ومديرة حملة أهل القرآن العالمية بدائرة الشئون الإسلامية والعمل الخيري بدبي- ترى أن الزوج الذي لا يستطيع توفير إقامة لأسرته حيثما يعمل لا يجب أن يستمر في تركه لها طويلا؛ لأن ذلك لا يترتب عليه سوى مشكلات كثيرة تصيب الأسرة المسلمة في الصميم.
وتشير إلى أن هذه الظاهرة ينجم عنها مشكلات تتجاوز بكثير ما ينجم عن الطلاق، وهو ما تأكدت منه بنفسها خلال مؤتمر عقدته الدائرة، وبرزت فيه الكثير من النماذج التي تعاني جراء هذا الوضع.
وتقول: الأب هو العمود الفقري للأسرة، وهو الجدار الصلب الذي ترتكن إليه ليس فقط الزوجة، ولكن الأبناء أيضا، فوجود الأب بين أبنائه يمنحهم شجاعة واطمئنانا واستقرارا وشعورا بالأمان؛ لأنهم في هذه الحالة يكونون على ثقة بأن أي مشكلة سيجدون من ينوب عنهم لحلها، وبالتالي تتشكل نفسيتهم في أجواء طبيعية، ويشبون في بيت تكتمل عناصر التنشئة فيه.
أما إذا غاب الأب؛ فإن الأم تحاول تعويض أبنائها بتدليل زائد من ناحية وحرص وخوف من ناحية أخرى، باعتبارها تقوم بكلا الدورين، الأمر الذي يخلق شخصيات مهزوزة، بل إن الأبناء الذكور في بعض الأحيان يحاولون تقليد أمهم في كل شيء، ويصبح الولد كما يطلق عليه أقرانه.. (ابن أمه).
ولا تنفي إيمان نجاح بعض الأمهات في تربية أبنائهن على الوجه الأكمل في غياب الأب، ولكنها تؤكد أنهن قليلات جدا؛ ولذلك فهي تطالب كل زوج ألا يطيل فترة غيابه عن أسرته لأكثر من عامين، ولا يستحسن أن يترك الأب أطفالا تجاوزوا العاشرة من أعمارهم ينشئون بعيدا عنه؛ لأنه حتما سيفقد زمام السيطرة عليهم ويصبح غريبا عنهم.

اضطرابات نفسية

ونختم موضوعنا هدا .بافادةأستاذ ومدير أحد مراكز الطب النفسي بالشارقة-الدكتور علي الحرجان الذي يجد المشكلة ماثلة أمام عينيه من خلال عدد الحالات التي تراجع عيادته باستمرار، وبعضها لرجال يعيشون بعيدا عن أسرهم طلبا للرزق، وهو ما جعلهم يصابون باضطرابات نفسية وعصبية، فبعض الحالات تسيطر عليها هواجس القلق على الأبناء، والبعض الآخر يشعر بالفراغ العاطفي الذي يدفعه نحو الانحراف الأخلاقي والسلوكي، والحل من وجهة نظره يكمن في تقرب الرجل من عائلته قدر المستطاع، والعودة للعيش بينهم في بلده بإمكانات قد تكون بسيطة ولكنها تغني عن مشكلات عميقة.
أما إذا كان أمر بقائه للعمل اضطراريا -والكلام ما زال للحرجان- فعليه أن يحصن نفسه ويشغل تفكيره بممارسة الرياضة أو القراءة أو الانخراط في أي نشاط يفرغ فيه طاقاته النفسية، مضيفا أن تشتت الأسرة له الكثير من المردود السلبي ليس فقط على أفرادها، ولكن على المجتمع ككل، باعتبار أن أشخاصا مأزومين لا يمكن إلا أن يكونوا ضعيفي الإنتاجية.

1 أفكار بشأن “ثمن الغربة الزواج بالمراسلة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.