بسم الله الرحمن الرحيم
مع غروب شمس الثامن والعشرين من شهر آب ، لهذا العام // م ، دخل يوم ميلاد له جديد ، تجاوز فيه سنة بعد إكمال العقد السادس من العمر ، قضى منه أكثر من النصف بعيداً عن بلده ..
وغمرته عناية الله ورعايته ، وفضل اختياره له ، ولطفه به ، ونعمه الحسّيّة والمعنويّة بكلّ أنواعها وأطيافها ، وحسنها وألطافها .. حتّى إنّه لم ير من بؤس الحياة وضرّها ما يستحقّ أن يذكر ، أو يسطر ..
فيطرق قلبه على أعتاب العبوديّة خَجِلاً وَجِلاً ، ويستشعر سؤال الربّ جلّ جلاله وعتابه : « عبدي ! ألم أعطِكَ .؟! ألم أحبُكَ .؟! ألم أكفِكَ .؟! ألم أغنِكَ .؟! ألم .. ألم .. ألم .؟! » أفلا يكون عبداً شكوراً .؟!
ومنذ ما كان في منتصف العمر ، وهو يرقب الموت بين الخطوة والأخرى ، ويمنّي النفس أن يستعدّ للقائه ، كما يستعدّ العروس لعروسه ..
وتلفّه الغفلة ، فيسوّف ما يسوّف .. وتهزّه الفواجع ، فيصحو ويتذكّر .. ثمّ يغفو ، ويغفل ..
ألا ما أعظم نعمة الله ومنّته بما قدّر من العمر ، فما كان يحسب أن سيبلغ نصفه ، أو ثلثيه .. بلهَ أن يتجاوز عقد الستّين ..
وكان عندما يسأل ، وهو في عقد الأربعين عن عمره يقول مازحاً : « هو ماضٍ نحو السبعين أو الثمانين أو التسعين » ، على حسب مقتضى الحال .. وربمّا أخذ السامع الأمر على ظاهره ، وبنى عليه كثيراً من القول ، فكان الموقف طريفاً ..
ويرنو إلى عدّاد الأشهر والسنين ، يمشي ولا يتوقّف ، يمرّ مرّ السحاب ، ويأخذ معه بعض الأحبّة والأصحاب .. ويتّعظ قليلاً بفقد الأحبّة ، وذكريات الراحلين ، وعبر الأحداث والسنين .. وهو في سكرة الهوى ، وداء التسويف .. يعظ ولا يتّعظ ، ويذكّر ولا يتذكّر .. وبين لسانه وعمله بعد كبير ، وخلف مرير ..
ضادِهِم إذ وَنَوا — وخَلّفكَ الجهدُ إذ أسرَعُوا
وأصبَحتَ تَهدِي ولا تَهتَدِي — وَتُسمِعُ وَعظاً ولا تَسمُعُ
فيا حَجَرَ الشحذِ حتّى مَتى — تَسُنُّ الحديدَ ولا تَقطعُ .؟!
ومع إحساس ط§ظ„ظ†ظپط³ بدنوّ الأجل ، تجدّ في العمل ، ويخفّ تعلّقها بكثير ممّا حولها ، ويقوى نظرها إلى ما تستقبل من أمرها ، وتستشعر التفريط فيما سبق من أيّامها ، ويلهج لسان حالها وقالها في كثير من المواقف : « لو استقبلت من أمري ما استدبرت .. » ..
وتحاول أن تستدرك ما تستطيع .. ولكن هيهات هيهات .! فأنّى لواجب الوقت أن يسمح لغيره بمزاحمته ، أو يعطيه شيئاً من حقّه .؟! وحسبه التوبة والندم على ما فرّط ، والعمل الجادّ فيما هو فيه ..
ثمّ يغفو ويغفو .. وقد نصب له الشيطان والنفس الأمّارة الشرَك بعد الشرَك .. لقد كان يحسب أن صراعه معهما سينتهي بجولة فاصلة ، وضربة قاضية ، وما كان يحسب ، أنّه كلّما تقدّم خطوات على الطريق دهمه إعصار فيه نار ، فزلزل أعطافه ، وأحرق أطرافه ، وصدّه عن سبيله ، وردّه عن غايته ..
ولكنّه لن ييأس أو يستسلم ، وله إقرار بخطيئته ، وحجّة من فطرته ، وأسوة بأبيه آدم في زلّته وأوبته ، ورجاء بفضل الله ورحمته ..
فيا ربّ مغفرتك أوسع من ذنوبي ، ورحمتك أرجى عندي من عملي ..
يا رَبّ قد عَصَفَ الهوَى بكياني — وسَطا بكَلكلِه على أركاني
وتَنوّعَت ألوانُه وتَعدّدَت — أوطارُه وغَدوتُ كالحيران
ودُخانُه حَجَبَ البَصيرةَ والهُدى — فَكَأنّني في غَيبةِ السكران
جَاهَدتُه وحَسِبتُ أنّي غالبٌ — فعَدا بمَكرٍ لا يُرى بمَكان
أنجُو وأُصرَعُ في مُحيطٍ هادِرٍ — مِن عَالم الإغراءِ والبُهتانِ
فأزلُّ عَن تَقوَى عَرفتُ طَريقَها — أوّاهُ مِن ضَعفي ومِن عِصياني
لا حَولَ لي يا رَبّ إنّي عاجزٌ — فادفَع بحَولِكَ كيدَه الشيطاني
ضَعفِي وخوفي في التِجاءٍ ضَارع — مَا خابَ مَن يَرجُوكَ باطمِئنانِ
يا أرحَمَ الرُّحماءِ إنّي عَائِذٌ — بسَوابِقِ التكريمِ وَالإحسَانِ
أنتَ العَليمُ بما أخافُ وأرتَجِي — وَبسِرّيَ المَكتُومِ والإعلانِ
فاختر لِعَبدِكَ ما تُحبُّ وتَرتَضي — سَلّمتُ قلبي فاكفِني أحزاني
وامنُن عليَّ بتَوبةٍ مَقبُولةٍ — واختِم بتَوحِيدٍ وطُهرِ جَنانِ
بسم الله الرحمن الرحيم
مع غروب شمس الثامن والعشرين من شهر آب ، لهذا العام // م ، دخل يوم ميلاد له جديد ، تجاوز فيه سنة بعد إكمال العقد السادس من العمر ، قضى منه أكثر من النصف بعيداً عن بلده ..
وغمرته عناية الله ورعايته ، وفضل اختياره له ، ولطفه به ، ونعمه الحسّيّة والمعنويّة بكلّ أنواعها وأطيافها ، وحسنها وألطافها .. حتّى إنّه لم ير من بؤس الحياة وضرّها ما يستحقّ أن يذكر ، أو يسطر ..
فيطرق قلبه على أعتاب العبوديّة خَجِلاً وَجِلاً ، ويستشعر سؤال الربّ جلّ جلاله وعتابه : « عبدي ! ألم أعطِكَ .؟! ألم أحبُكَ .؟! ألم أكفِكَ .؟! ألم أغنِكَ .؟! ألم .. ألم .. ألم .؟! » أفلا يكون عبداً شكوراً .؟!
ومنذ ما كان في منتصف العمر ، وهو يرقب الموت بين الخطوة والأخرى ، ويمنّي النفس أن يستعدّ للقائه ، كما يستعدّ العروس لعروسه ..
وتلفّه الغفلة ، فيسوّف ما يسوّف .. وتهزّه الفواجع ، فيصحو ويتذكّر .. ثمّ يغفو ، ويغفل ..
ألا ما أعظم نعمة الله ومنّته بما قدّر من العمر ، فما كان يحسب أن سيبلغ نصفه ، أو ثلثيه .. بلهَ أن يتجاوز عقد الستّين ..وكان عندما يسأل ، وهو في عقد الأربعين عن عمره يقول مازحاً : « هو ماضٍ نحو السبعين أو الثمانين أو التسعين » ، على حسب مقتضى الحال .. وربمّا أخذ السامع الأمر على ظاهره ، وبنى عليه كثيراً من القول ، فكان الموقف طريفاً ..
ويرنو إلى عدّاد الأشهر والسنين ، يمشي ولا يتوقّف ، يمرّ مرّ السحاب ، ويأخذ معه بعض الأحبّة والأصحاب .. ويتّعظ قليلاً بفقد الأحبّة ، وذكريات الراحلين ، وعبر الأحداث والسنين .. وهو في سكرة الهوى ، وداء التسويف .. يعظ ولا يتّعظ ، ويذكّر ولا يتذكّر .. وبين لسانه وعمله بعد كبير ، وخلف مرير ..
ضادِهِم إذ وَنَوا — وخَلّفكَ الجهدُ إذ أسرَعُوا
وأصبَحتَ تَهدِي ولا تَهتَدِي — وَتُسمِعُ وَعظاً ولا تَسمُعُ
فيا حَجَرَ الشحذِ حتّى مَتى — تَسُنُّ الحديدَ ولا تَقطعُ .؟!
ومع إحساس ط§ظ„ظ†ظپط³ بدنوّ الأجل ، تجدّ في العمل ، ويخفّ تعلّقها بكثير ممّا حولها ، ويقوى نظرها إلى ما تستقبل من أمرها ، وتستشعر التفريط فيما سبق من أيّامها ، ويلهج لسان حالها وقالها في كثير من المواقف : « لو استقبلت من أمري ما استدبرت .. » ..
وتحاول أن تستدرك ما تستطيع .. ولكن هيهات هيهات .! فأنّى لواجب الوقت أن يسمح لغيره بمزاحمته ، أو يعطيه شيئاً من حقّه .؟! وحسبه التوبة والندم على ما فرّط ، والعمل الجادّ فيما هو فيه ..
ثمّ يغفو ويغفو .. وقد نصب له الشيطان والنفس الأمّارة الشرَك بعد الشرَك .. لقد كان يحسب أن صراعه معهما سينتهي بجولة فاصلة ، وضربة قاضية ، وما كان يحسب ، أنّه كلّما تقدّم خطوات على الطريق دهمه إعصار فيه نار ، فزلزل أعطافه ، وأحرق أطرافه ، وصدّه عن سبيله ، وردّه عن غايته ..
ولكنّه لن ييأس أو يستسلم ، وله إقرار بخطيئته ، وحجّة من فطرته ، وأسوة بأبيه آدم في زلّته وأوبته ، ورجاء بفضل الله ورحمته ..فيا ربّ مغفرتك أوسع من ذنوبي ، ورحمتك أرجى عندي من عملي ..
يا رَبّ قد عَصَفَ الهوَى بكياني — وسَطا بكَلكلِه على أركاني
وتَنوّعَت ألوانُه وتَعدّدَت — أوطارُه وغَدوتُ كالحيران
ودُخانُه حَجَبَ البَصيرةَ والهُدى — فَكَأنّني في غَيبةِ السكران
جَاهَدتُه وحَسِبتُ أنّي غالبٌ — فعَدا بمَكرٍ لا يُرى بمَكان
أنجُو وأُصرَعُ في مُحيطٍ هادِرٍ — مِن عَالم الإغراءِ والبُهتانِ
فأزلُّ عَن تَقوَى عَرفتُ طَريقَها — أوّاهُ مِن ضَعفي ومِن عِصياني
لا حَولَ لي يا رَبّ إنّي عاجزٌ — فادفَع بحَولِكَ كيدَه الشيطاني
ضَعفِي وخوفي في التِجاءٍ ضَارع — مَا خابَ مَن يَرجُوكَ باطمِئنانِ
يا أرحَمَ الرُّحماءِ إنّي عَائِذٌ — بسَوابِقِ التكريمِ وَالإحسَانِ
أنتَ العَليمُ بما أخافُ وأرتَجِي — وَبسِرّيَ المَكتُومِ والإعلانِ
فاختر لِعَبدِكَ ما تُحبُّ وتَرتَضي — سَلّمتُ قلبي فاكفِني أحزاني
وامنُن عليَّ بتَوبةٍ مَقبُولةٍ — واختِم بتَوحِيدٍ وطُهرِ جَنانِ