تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » قصه الاصدقاء

قصه الاصدقاء

بسم الله الرحمان الرحيمو الصلاة و السلام على أشرف المرسلين

أسامة يختار مهنته

في صباحٍ جميلٍ، خرجَ الأَولادُ الصِّغارُ إلى باحةِ الرَّوضةِ الواسعةِ. وشرعوا يلعبونَ ويركضونَ في كلِّ الاتجاهاتِ. اجتمعَ عددٌ منهم، في ظلِّ شجرةٍ كبيرةٍ، وأَخذوا يتناقشُونَ حول المهنةِ الَّتي سيختارُها كلُّ واحدٍ منهم عندما يصبحونَ كباراً.

قال محمدُ:

– أفضلُ مهنةٍ في الدُّنيا هي مهنةُ الغوصِ في البحرِ. لذا سوف أُصبحُ غوَّاصاً.

قال سعيدُ معترضاَ:

– لكنَّها خطرةٌ..!

فردَّ عليه محمدٌ محتجّاً:

– لا.. إنّها ليست خطرةً.. بل ممتعةً. وأَنا أحبُّها. هل هُناك أَجملُ من السِّباحةِ تحتَ الماءِ مع السَّمكِ؟
أصرَّ سعيدٌ على رأيِهِ. وقال:

_ إنَّها خطرةٌ..!
– أنتَ جبانُ..!
– أنا لستٌ جباناً.. أنا بطلٌ..!
– بل جبانٌ… الغوصُ في أعماق البحر رياضةٌ رائعةٌ.
والبحثُ عن الكنوزِ الغارقةِ في داخل الماءِ. والتفتيشُ عن اللُّؤلُؤِ؟.. هذا مَا دفعني إلى التفكيرِ في أن أصبح غوٌاصاً. هذا هو

سكتَ محمدٌ قليلاً. ثُمَّ أَضافَ فجأةً:

– وأنتَ يا سعيدُ.. بدلاً من أَن تعترضَ.. قُلْ لي… ماذا ستنفعلُ في المستقبلِ؟

فأجابَ سعيدٌ وقد فتحَ عينَيْهِ متحدّياً:

– أَنَا؟ إِنّني أُحبُّ العنايةَ بالحيواناتِ الأَليفةِ. عندي قطٌّ وعندي طيرٌ. أُريدُ أنْ أعتنَي بهما إِذا أَصابَهُمَا مرضٌ. لذا سوفَ أُصبحُ مثلَ ذَلك الطبيبِ الَّذي يسمَّى … بَيْـ… بَيْـ…
أَسعفَتْهُ لينُ بقولها: تقصدُ أَنَّك تريدُ أَن تصبح طبيباً بيطرياً في المستقبلِ؟

أَيَّدَ سعيدٌ كلامَها:

– نعَمْ… ذلك هو اسمُهُ… طبيبٌ بيطريّ… اسمُهُ طويلٌ وصعبٌ… هذا صحيحٌ. لكنَّهُ يحبُّ الحيواناتِ. أَلَمْ تقلْ لَّنَا المعلمةُ: إنَّ علينا أن نُحبَّ الحيوانات؟

قالَتْ ليْنُ: أَجلْ… وأن نرفِقَ بِهَا…

ثُمَّ أَضافَتْ بعدَ تفكيرٍ قصيرٍ: عِنْد جيرانِناَ قطٌّ… جميلٌ… يحبُّني.. وأُحبُّه…
قاطَعَها سعيدٌ: سوفَ أَعتني بالحيواناتِ كلِّها… القِطَطَ والأَحصنةِ.. والطّيورِ… والقُرودِ… وإذا مرضَ قطُّ جيرِانِكِ يالينُ فإِنَّني سوفَ أُعالُجهُ مجاناً طبعاً…

ضحكَتْ لينُ وقالَتْ: شكراً يا سعيدُ… أنت طيّبُ…

لكن ماجداً علَّقَ بقولِهِ: وإذا مرضَتْ فأْرةٌ؟ هلْ تُعَالِجُها؟

فردْ عليه سعيدٌ: طَبْعاً. هذا واجبي. أُعالِجُها وأعالُجكَ أَيضاً.
فضَحِكُوا جميعاً . وبَعْدَ أَنْ هدأَتْ عَاصِفَةُ الضَّحِكِ قَالتْ لينُ: أَنَا لا أُحبُّ الفِئْران…
وقال محمدٌ: وأَنَا أَيضاً لا أُحِبُّها. فهي وَسِخَةٌ وتَنْقُلُ الأَمْراضَ.

سكتَ محمدٌ قليلاً. ثُمَّ أَرْدَفَ قائلاً:

– وأنتِ يا لينُ؟ ماذا تُريدينَ أَنْ تكوني في المستقبلِ؟

قالَتْ لينُ باسمةً:

– أَنَا…!

ثُمْ سكَتتْ قليلاً مفكِّرةً. وقالَتْ بَعْدَ ذَلِكَ:

– أنا أحبُّ أَن أَصبحَ…

وسكتَتْ مرَّة ثانيةً. فصاحَ بها مٌحمدٌ:

– نَعَمْ..! أَلا تُريدينَ أَنْ تعملي في المستقبلِ؟

قالَتْ لِينْ وقد احمرَّ وجهُهَا:

– أًنا أُحبُّ أَنْ أصبحَ قائِدةَ طائرةٍ…!

ابتسمَ محمدٌ. وقالَ:

– عظيمٌ… ولكنَ أَلاَّ تَخافينَ مِن الطَّيرانِ في الْجَوِّ؟

فردَّتْ عليه بسرعةٍ:

لا… أبداً… عمَّي يعملُ مضيفاً. وقَدْ زارَ بلداناً كثيرةً.
وكُلَّما عادَ مِن السَّفر جلبَ لنا هدايا. زارَ الجزائرَ والسُّعوديةَ وفرنسا. عندما أكبرُ سوفَ أُصبحُ طَيَّارةً لكي أَزورَ القاهرَة. أنا أُحبُّ القاهرةَ.

قاطَعَها سعيدٌ بودًّ:

– حسناً … فهمنا … أَنتِ تُحبينَ القاهرةَ.
سكتَتْ لينُ. ونظرتْ إلى سعيدٍ نظرةَ عتابٍ.

لكنَّ سعيداً انتقَلَ بالحديث إلى زَيْدُون:

– وأنتَ يا زيدونُ؟ ماذا تريدُ أَن تعملَ في المستقبلِ؟

أنا رياضيٌّ. أُحبُّ الرياضةَ. سوفَ أُصبحُ لاعبَ كرةِ قدمٍ في فريقٍ الفتوَّة.

هنا اعترضَ خالدٌ فجأة:

– ولماذا الفتوَّة؟ لماذا لا تنضمُّ إِلى فريقِ المجدِ؟

فردَّ عليه زيدونُ بقوةِ واعتدادِ أيضاً:

– أَنَا أُحبُّ فريقَ الفُتوَّةِ. وأُشجَّعه. لذلك… حينَ أُصبحُ شاباً، سوف ألعبُ مَعَهُ. وسوف نَنْتْصِرُ دائماً… هِيْه… هُوْب… هكذا…

ورفسَ كرةً وهميةً بقدمهِ اليُمنى. لكنَّ خالداً قال بهدوء:

هوِّن عليكَ يا بطَلُ… وانتظرْ إِلى أَن تَكْبَر…!

إِلاَّ أَن زيدونَ عادَ إِلى الحديثِ متباهياً:

– سوفَ أشتركُ في كلِّ المبارياتِ الكبرى لكي يَراني أَهلِي وأَصدقائي في التّلفزيون… هِيْه… هُوْب… لا…!
وضَربَ الكُرَةَ الوهميةَ بقدمِهِ اليُسرى، في هذه المرة.

عادَ سعيدٌ إِلى الحديثِ، ووجَّهَ السؤالَ إلى أحمدَ قائلاً: طيّب… طيّب…! وأَنتَ يا أَحْمدُ؟

قالَ أحمدُ بكلِّ حزمِ: أَنا؟ سوف أُصبح رجلَ إِطفاءٍ…

نَظَر إليه الأَطفالُ نظرةَ إِكبارٍ وتقديرٍ، لكنَّه تابعَ كلامَهُ:

– نَعَمْ… رجلَ إِطفاءٍ… لكيْ أُخمدَ الحرائقَ إذا شبَّت في البيوتِ والمدارسِ والمعاملِ والغاباتِ. رجُلُ الإِطفاءِ يحمي أَرواحَ النَّاسِ…

أَضافَتْ لينُ مؤيٌدة: نَعَمْ… في الأُسبوعِ الماضي شاهدْتُ، في التَّلفزيونِ، حريقاً في غابةٍ. وجاءَتْ سياراتُ الإِطفاءِ والإِسعافِ، وأَطفأَ رجالُ الإِطفاء الحريقَ. إِنَّهم أَبطالٌ. وأَنَا أُحبُّهم.

أَيَّدَ سعيدٌ كلامَها بقوله: صحيحٌ. وأَنَا شاهدتُ هذا الشّريط. على كلِّ حالٍ، مهنةُ الإِطفاءِ عظيمةٌ. لكنَّها خطرةٌ. النَّارُ تحرقُ كلَّ شيء.

فقالَ محمدٌ: أَلَمْ أَقُلْ لكَ يا سعيدُ: إِنَّك جبانٌ؟

وهُنَا تدَّخلَ أَحمدُ بقوله: نَعَمْ. النَّارُ تحرقُ كلي شيءٍ، لكنَّني سوفَ ألْبَسُ ثياباً ضدَّ الحرائقِ لا تُوَثِّرُ فيها النِّيرانُ… ما رأَيك؟

لم يشتركْ سلمانُ في النِّقاش أبداً. بل كان يعَبَثُ بالمِحْسبِ… وفجأةً طرحَ المِحْسَبَ جانباً. وقال بصوتٍ عالٍ: أَمَا أَنَا فلا أُريدُ أَنْ أَكونَ شيئاً ممَّا تتحدّثونَ عنه… أنا لا أُحبُّ العملَ… ولا أُحِبُّ المدرسةَ… وأريدُ أَنْ أبيعَ المدرسةَ لكْي أَتفرَّغَ للَّعِبِ…!

انفجرَ الأَولادُ ضاحكينَ، قالَتْ لينُ: لا رَيْبَ أَنَّ سَلْمانَ يمزحُ… على كلِّ حالٍ… مَنْ يشتري المدرسةَ منهُ؟
لكنَّ محمداً أَمْسَك بيدِهَا. وأَسْكتَهَا.

وقال مخاطباً بقيَّةُ الأولادِ:

– حسناً … نحنُ نتكلَّمُ منذُ زمنٍ طويلٍ. أَنَا أُريْد أَن أُصبح غوّاصاً وسعيدٌ يريدُ أَن يكونَ طبيباً بيطرياً.

ولينُ تودُّ أَن تعملَ قائدةَ طائرةٍ. وأَحمدُ رجُلَ إطفاءٍ. وزيدن لاعبَ كرةِ قدمٍ. وسلمانُ يحلْمُ ببيعِ المدرسةِ ليتخلَّصَ منها… ولكِنْ…

قاطعهُ سعيدٌ بقولِهِ:

– فهِمْنَا… اختَصِرْ… ماذا تريدُ أَنْ تقولَ؟

قال محمدٌ:

– أريدُ أَن أَقولَ … كلُّ المهن نافعةٌ… ما عدا مهنةَ سلمانَ طبعاً… وهنا شَعَر زيدونُ بالضِّيق.

وقالَ:

– اسمحوا لي… أُريدُ أَنْ أَذهبَ لِكيْ أَلعبَ بالكُرةِ.

وقال سعيدٌ:

– وأَنا أريدُ أَنْ أَذهبَ لكيْ أَلعبَ مع طَيْري وقطِّي…

قالتْ لينُ:

– وأَنَا سَوْفَ أَذْهبُ لأجمعَ صور الطَّائراتِ…

عادَ محمدٌ إلى الكلامِ مرَّة أُخرى:

هل تَعرِفُون؟

فردّوا عليه جميعاً:

– ماذَا ؟ ماذَا يا محمدُ؟ ما بِكَ؟!

فقالَ محمدٌ بكلِّ هدوءٍ:

– كنتُ أُريدُ أَنْ أَقولَ: إِنَّنا نتناقشُ منذُ زمنٍ طويلٍ … لكِنَّنا لم نفعلْ شيئاً أَبداً. كنَّا نتكلَّمُ. والكلامُ لا ينفعُ. تعالَوْا لِكَيْ نُشَاهِدَ ماذَا يَفْعَلُ أُسامةُ الَّذي لَمْ يشتركْ معَنَا في الحديثِ…!
اقتربُوا مِن أُسامةَ بكلِّ هدوءٍ، على أَطرافِ أَصابِعِهِم.

كانت لينُ أَوَّلَ من سألَتْ:

ماذَا تفعلُ يا أُسَامةُ؟

فأجابَهَا أُسامةُ وهو منحنٍ على لوحته:

كَمَا تَريْنَ يَا لينُ… إِنني أَرسمُ…
وتابَعَ عملَهُ.
كانتِ الأَقْلامُ والأَوراقُ وأَنابيبُ الألوانِ حولَه، مبعثرةً على الأَرضِ، وكانتِ اللَّوحةُ الَّتي بدأَ بِرسمها منذُ ساعةٍ، تُوشِكُ على الانْتِهَاء… وهي تمثِّلُ عصفوراً على شجرة. وكان عصفوراً جميلاً.

عاد محمدٌ إِلى الكلامِ مخاطباً رفاقَهُ جميعاً:

– كنَّا نتحدّثُ، ونضيِّعُ وقتَنَا في الكلام. وكان كلامُنا جميلاً. لكنَّ لوحةَ أسامةَ أجملُ. فهُوَ لَمْ يُضيِّعْ شيئاً من وقتِهِ. بل رَسَمَ… ولوَّنَ…

– لوحتُكَ جميلةٌ يا أُسامةُ…

أَضافَتْ لينُ:

– طبعاً … لأنَّهُ يعرفُ تماماً ماذا سيكونُ في المستقيلِ … إِنَّه سيكونُ فنّاناً!

الوسوم:

1 أفكار بشأن “قصه الاصدقاء”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.