ماهي دلالة التعليل تارة بـ () وتارة بـ() سبحانه في عظيم خطابه؟؟

بسم الله الرحمان الرحيمو الصلاة و السلام على أشرف المرسليننبينا محمد شفيع المسلمين

الســــــــــــــــــلام عليكم ورحمة الله وبركاته
* ما هي دلالة التعليل بـ ( كي) في قوله تعالى (كي تقرّ عينها ولا تحزن) وباللام في قوله تعالى (ولتعلم)؟(د.فاضل السامرائى)

قال تعالى: (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى)طـه:40.

وقال تعالى: ( فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ" القصص:13)

التعليل بكي واللام

قد يرد سؤال على الذهن يحتاج إلى إمعان نظر وهو: ما الفرق بين اللام وكي؟، وهل التعليل بهما متطابق؟

الحقيقة أنه لا يبدو هناك فرق واضح بينهما في التعليل، فهما متقاربان جدا، غير أن الذي يبدو أن الأصل في (كي) أن تستعمل لبيان الغرض الحقيقي، واللام تستعمل له ولغيره، فاللام أوسع استعمالا من (كي)، وهذا ما نراه في الاستعمال القرآني

والظاهر من الاستعمال القرآني أن (كي) تستعمل للغرض المؤكد والمطلوب الأول، يدل على ذلك قوله تعالى( فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ" القصص:13)

فقد جعل التعليل الأول بـ (كي) "كي تقر عينها" والثاني باللام " ولتعلم أن وعد الله حق" والأول هو المطلوب الأول، والمقصود الذي تلح عليه الأم بدليل اقتصاره عليه في آية طه، قال تعالى: فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ ))

فالمطلوب الأول للأم هو رد ابنها إليها في الحال، أما جعله نبيا مرسلا، وهو ما يشير إليه قوله تعالى: "ولتعلم أن وعد الله حق" فهو غرض بعيد، إذ هي محترقة لرد ابنها الرضيع إليها وهذا غرض كل أم سُلب منها ابنها، أعني أن يعاد إليها أولا، سواء كانت الأم مؤمنة، أم كافرة، بل هو مطلوب للأمهات من الحيوان، ولذا عللها في الموطنين بـ (كي) ولم يعلله باللام

ثم إن أم موسى تعلم أن وعد الله حق لا يتخلف، وقد وعدها ربها بأنه سيرده إليها ويجعله من المرسلين: "إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين: فقوله تعالى: "ولتعلم أن وعد الله حق" معناه الاطمئنان، لا مجرد العلم، ولو قال (كي تعلم أن وعد الله حق) لكان المعنى أنها تجهل أن وعد الله حق، وأنه رده إليها لتعلم هذا الأمر

ونظير هذا قوله تعالى: {وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا}
وهذا في أصحاب الكهف وهم يعلمون أن وعد الله حق ولا شك، وكيف لا وهم فارقوا قومهم لإيمانهم بالله تعالى؟

فلو قال (كي يعلموا) لكان المعنى أن هذا هو الغرض الحقيقي وقد كانوا يجهلون ذاك وأما قوله "كي تقر عينها ولا تحزن" فهذا غرض حقيقي لا يتحقق إلا برد طفلها إليها يتبين مما مر أن (كي) تستعمل للغرض الحقيقي، أما اللام فهي أوسع استعمالا منها،

وأن الجمع بينهما يفيد التوكيد والله أعلم.

المرجع لمسات بيانيه الدكتور فاضل سامرائي

اللهم ارزقنا العلم في كتابك ولا تحرمنا فضلك من لذيذ خطابك

حلقةَ بحثَ قصيرةَ التعليل الظاهري والباطني

بسم الله الرحمان الرحيمو الصلاة و السلام على أشرف المرسليننبينا محمد شفيع المسلمين

التعليل الظاهري والباطني
مسألة: مـن يريد معرفـة فلسفـة التاريخ، واكتشاف الروح العامة، يجب عليه معـرفة التعليـل الباطنـي، ولا يكتفي بالتعليل الظاهـري، فإنّ التعليلات الظاهريـة لا تكفـي لكشف الـروح العامّـة، وإنّمـا الذي يكشـف الـروح العامـة هو التعليلات الباطنية، بأن ينظر إلى ما وراء أحداث التاريخ والأسباب الواقعية.
مثلاً: هـارون العبّاسي ذهب إلـى خراسان لأجل الاصطياف، هذا كـان ظاهر الأمر، أمّا باطن الأمر هـو رغبته فـي إخماد الفتن التي نشبت هناك مـن جرّاء أخذ علي بن ماهان(150) حاكمه في خراسان الضرائب المرهقة التي سببّت هيجان الناس ومن ثمّ الثورة(151). وهكذا في كثير من الأمور علل ظاهرية وعلل باطنية، والعلل الظاهرية بمفردها لا تتمكّن من كشف الروح العامة وفلسفة التاريخ.

ومن الواضح أنّ التعليل التاريخي بحاجة إلى جملة من العلوم كالمنطق، والحكمـة، والأصول المصطلـح فـي أصـول الفقـه، والحساب، ومـا أشبه ذلك، فإنّ اكتشـاف الـروح العامـة بحاجـة إلى هذه الأمـور. ومنـه يعلـم أنّـه لا يراد بالفلسفـة هنـا الفلسفـة عنـد الفلاسفـة الحكمـاء كابـن سينا، والفارابي(152)، وقبل ذلك أرسطو، وبعد ذلك الحاج السبزواري(153)، والملاّ صدرا(154)، ومن أشبههم، بل المراد بالفلسفة هنا الأعمّ من وجه والأخص بالوجه من الفلسفة المصطلحة.